على هامش اليوم العالمي للمدرس سيخلد المنتظم الدولي عن طريق منظمة اليونسكو اليوم العالمي للمدرس في الخامس من أكتوبر الجاري كما هو معتاد منذ 1994، واختارت المنظمة الدولية كشعار لهذه الاحتفالية برسم هذه السنة: إعادة البناء تمر عبر المدرسين. كالعادة ستكون هناك العديد من التظاهرات التي تصب في مجال تخليد هذا اليوم العالمي الذي يصادف الدخول المدرسي في الكثير من دول المعمور: احتفالات تكريم، بيانات وبلاغات صادرة من لدن النقابات ومختلف الهيئات المهنية..الخ. لكن ما يبقى مهما هو الوقوف عند الأوضاع المادية والمعنوية لعموم المدرسين ومطالبهم العادلة، هذه الأخيرة التي يعتبر تحققها كفيلا بتعبئة وانخراط هؤلاء في عمليات التغيير الإيجابي نحو الأفضل والمساهمة في عملية البناء وإعادة البناء التي تمر عبرهم كما جاء في الملصق الإشهاري الذي أعدته منظمة اليونسكو بهذه المناسبة الجليلة.....


في المغرب، وربما أكثر من أي وقت مضى، وبشكل نادر ربما يلتقي الرسمي وغير الرسمي على الأهمية الكبرى التي يكتسيها قطاع التربية والتعليم باعتباره الأولوية الثانية بعد قضية استكمال الوحدة الترابية للبلاد. وإذا كنا قد أصبحنا على مشارف انتهاء العشرية التي تم تخصيصها لإصلاح أوضاع هذا القطاع الحيوي في إطار ما أقره الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000/2010) وإذا كنا نعيش السنة الثانية من البرنامج الاستعجالي (2009/2012) الذي أتى من أجل إعطاء نفس جديد للإصلاح، فإن الوفت قد حان للوقوف عند دور المدرس في تنفيذ كل هذه البرامج وتحقيق الغايات المتوخاة منها والعمل على التنفيذ الفعلي لمقررات كل من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتوصيات التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم خاصة ما يهم مقترحاته بخصوص الارتقاء بأوضاع المدرسين بناءا على الدراسات التشخيصية والميدانية التي تمت مباشرتها سلفا.
في المغرب دائما، تتخذ بين الحين والأخر مجموعة من المبادرات الرامية إلى إعادة الاعتبار لرجل وامرأة التعليم من قبيل مختلف المبادرات الجادة التي اتخذتها مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين وهي المبادرات التي غطت عددا من المجالات الحيوية ذات الطابع الاجتماعي والخاصة برجل التعليم كإنسان أولا وأخيرا، في هذا الإطار ينتظر الجسد التعليمي المهني بمختلف فئاته الارتقاء بالخدمات المتنوعة لهذه المؤسسة الفتية والنموذجية في عملها مع الإنصات لمختلف مطالب وتمنيات هذه الفئات التي عبرت عنها أثناء انعقاد اللقاءات التواصلية التي عقدتها المؤسسة المذكورة مع منخرطيها انطلاقا من الموسم المنصرم.من جانب أخر، يتعين على رجال التعليم التعامل بإيجابية مع المقترحات التواصلية لهذه المؤسسة والتي تنشرها بين حين وأخر ومن ذلك مختلف استمارات الرأي بشأن عدد من القضايا والتي لا تهم في نهاية المطاف سوى رجل التعليم.
وإذا كنا بهذه المناسبة قد ألفنا الحديث عن واقع رجل التعليم مع ضرورة تغيير هذا الواقع نحو الأفضل، لازلت هناك فئة من رجال التعليم تستحق المزيد من العناية والاهتمام: إنهم رجال التعليم العاملون بمختلف المناطق القروية والنائية والصعبة، إنهم أولئك الجنود العاملون في الخفاء في ظل شروط يبدو جلها صعبا متحدين جميع الظروف من وعورة في المسالك وظروف مناخية غير مستقرة وانعدام وسائل النقل وأحيانا كثيرة انعدام الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وصرف صحي وشبكات التواصل الحديثة التي أصبح من المتعذر الاستغناء عنها في ظل الألفية الثالثة، مع ما يتسم به العمل في مثل هذه المناطق من تفش لظاهرة الأقسام المتعددة المستويات وفي بنايات مدرسية بحاجة للكثير من الجهود لتصبح مستقطبة للمدرس والمتمدرس معا. ويقتضي الأمر هنا، اتخاذ قرارات شجاعة وجرئية بخصوص إقرار تعويض مادي ذي قيمة خاص بالعمل في المناطق القروية والشبه القروية تنفيذا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين حين نص في مجاله الرابع الخاص بتحفيز الموارد البشرية على مراعاة الظروف الخاصة للأطر التربوية العاملة بالوسط القروي بتوفير الشروط الضرورية لعملهم وحفزهم بمنح تعويضات خاصة حتى تكون هذه المناطق النائية مكانا لاستقطاب المدرسين بدل الهروب منه خاصة في ظل ضاءلة نتائج الحركات الانتقالية وتطلع الجميع للعمل بالوسط الحضري، وتنفيذا للمقتضيات الحكومية الخاصة بمنح تعويضات خاصة بالعمل بالمناطق النائية والشبه النائية خاصة ما ورد في اتفاق فاتح غشت مع وزارة التربية الوطنية بخصوص إحداث تعويض عن العمل بالوسط القروي، كماي يبقى تنفيذ اتفاق غشت 2007 أحسن هدية قد يتلقاها رجل التعليم وهو يحتفل بيومه العالمي مع ما يوفره ذلك من بناء لأجواء الثقة المتبادلة بين الجسد التعليمي المهني والفرقاء الاجتماعيين من جهة، وبين السلطات التربوية من جهة أخرى، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من تعبئة فعلية وحقيقية للجميع نحو المزيد من العطاء والمردودية الكبيرين لإنجاح جميع الأوراش والمشاريع المتعلقة بالنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي.
ونحن نخلد اليوم العالمي للمدرس، لن نقول ما قاله المتنبي ذات يوم:
عيد بأي حال عدت يا عيد // بما مضى أم لأمر فيك تجديد.
لكننا نكتفي بالقول: كل عام ومدرسونا ومدرساتنا بألف خير.